ذكريات جامعية عاهرة





 


إخواني أخواتي قرائي الأعزاء، تركتموني في الحلقة السابقة ضيفة على من وصفتها لكم (بالقوادة) دون ذكر تفاصيل امتهانها لهذه المهنة المشينة، فالمجتمع يرى الأشياء من واجهتها دون الغوص في تفاصيلها قبل الحكم النهائي على الشخص المدان أصلا قبل المحاكمة، وقد شربت من نفس الكأس وأنا أوصف بأسوأ النعوت من قِبل البعض من قرائي ومنذ الحلقة الأولى دون انتظار ما سوف أريد قوله، نعتوني بالكفر والزندقة، وبالتحريض على الزنا والفساد، و...الخ.

 لم ينعتني أحد بالعاهرة فهل تعرفون لماذا؟، لأنني وببساطة شديدة حصنت نفسي من هذه الكلمة حينما وضعتها ضمن عنوان ذكرياتي، وليتني وضعت أخواتها كلمات الكفر والتكفير بجانبها لكنت وضعت لجاما في أفواه هؤلاء الذين يصطادون في المياه العكرة، وقد تكلمت عن بعضهم في حلقات سابقة كيف كانوا يكيلون السباب والشتائم لي بمجرد رفضي لطلباتهم ولنزواتهم الشاذة، لكنني في المقابل أؤكد أن بعض نفس هؤلاء من عديد من قرائي طالبوا بحذف تلك الكلمة حينما قرؤوا جميع أجزاء مأساتي، فمن هنا نستشف أن المرء سباق للحكم السلبي على أخيه الإنسان قبل استيفاء مواد ودلائل الإدانة.

هي يتيمة الأبوين مثلي مع أن والديها على قيد الحياة، عرفت الحرمان منذ صباها حينما افترق والداها وارتبط كل واحد منهما بزيجة أخرى بعد أن وضعاها في ملجأ الأيتام، كما أنها ضحية من ضحايا التهجير التعسفي الذي طال المغاربة على يد حكام الجزائر في الثمانينيات من القرن الماضي، تدرجتْ في مهن لم تجد فيها سوى الذل والقهر، من متشردة لماسحة أحذية وخادمة في البيوت، اغتصبت من طرف مشغلها فلم تجد من ينصفها، حولوها من ضحية اغتصاب إلى متهمة بالسرقة الموصوفة  والاتجار في المخدرات قضت بشأنها عقوبة سجنية قاسية خرجت منها ليتلقفها وسطاء الهجرة السرية والاتجار في اللحوم البشرية، وعدوها بالعمل الشريف فلم تجد أمامها سوى الذل والمهانة، هددوها وعذبوا نفسيتها دون رأفة ولا شفقة، تعرضت للاغتصاب الجماعي ومارسوا عليها كل أنواع شذوذهم، نزعوا منها كل أوراق تثبت هويتها لتستسلم لهم في النهاية صاغرة خاضعة، وفي الأخير عادت لوطنها متخفية وفي جعبتها دبلوم من المستوى الراقي في فن الاتجار الدولي بلحوم النساء الطرية، لم تكن تتقن أي حرفة يمكن  امتهانها غير استغلالها لما تعلمته مرغمة في بلدان الخليج.

المنقذ المنتظر

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل حينما استدعتني لغرفة عملياتها ذات الآلات الإلكترونية المتعددة الاختصاصات، تعجبت كثيرا لذلك المنظر الذي شاهدته لأول مرة في حياتي مع أنني كنت أعلم بوجوده، كانت أمام شاشة عملاقة تتكلم باللغة الانجليزية مع شخص بواسطة كاميرا مثبتة أمامها، أجلستني بقربها وقدمتني إليه بما يفيد أنني أنا من تكلمت معه بشأنها مسبقا، وبلسان متلعثم تبادلت معه التحية والحديث، كان يسأل وأنا أجيب وكأنني أمام محقق في حالة بحث معي في جريمة ارتكبتها، توالت المقابلات عبر الشاشة باكسسوارات وأزياء مختلفة لا ينقصها سوى روائح العطور التي لا تُشم عبر الأثير، كانت تحثني على إظهار مفاتن جسدي أمام الكاميرا وكأنني في سوق نخاسة تروم من ورائه كسب أكبر سعر ممكن.

 حدثني عن نفسه بما يفيد أنه أحبني بالنظرة الأولى وأنه يريد الزواج بي، وأنه يدير شركة فندقية لها فروع في بعض الدول العربية وبصدد إنشاء فندق ضخم سنديره سويا بمدينة مراكش التي سنقيم بها بعد الزواج، كان يتكلم بتحديد الأوقات بالتدقيق بما فيها تاريخ الالتقاء والزواج وكذا الشروع في العمل والدخول للفردوس المنتظر الذي لم يعد يفصلني عنه سوى أيام معدودات، كانت رؤيا يقظتي تتوحد مع منامي في مشاهدها التي أتخيل فيها نفسي وأنا جالسة وراء مكتب ضخم أدير مشروعا حيويا وتحت إمرتي عشرات الموظفين.

أخيرا أتى اليوم الموعود الذي سافرت فيه جوا نحو مدينة الأحلام، كان وحيدا وهو يستقبلني بالأحضان وبسيارته الرباعية الدفع اتجهنا صوب فندق سياحي يتميز باختلاف أجناس رواده، وباحة فوق سطحه تتراءى من خلالها معالم المدينة الخلابة، وهي نفس الباحة التي شهدت أول لقاء مناقشة مباشرة بيننا، لم يكن هناك اختلاف بقدر ما كان هناك عدم استيعابي لفكرته المتعلقة بالزواج، أخبرني بأنه بصدد الطلاق من زوجته الأولى الذي سيتم قريبا، وبأنه لا يمكنه الزواج مني إلا بعد حصول الطلاق رسميا وثبوتيا، ومن خلال كلامه وتأجيره لغرفة نوم واحدة استنتجت رغبته في معاشرتي معاشرة الزوج لزوجته في انتظار الذي سوف يأتي أو لا يأتي، كان علي أن أجيبه بالرفض أو القبول، ولكي لا أدخل معه في نقاش غير مستحب طلبت منه مهلة تمتد لليوم الموالي بدعوى مهاتفة أحد أقربائي قصد استشارته، وقد لاحظت قبوله فكرتي على مضض وهو يستأجر غرفة أخرى آوته تلك الليلة،

زواج متعة مؤقتة

كانت ليلتي بيضاء وأنا أسترد أطياف مواقفي المتسرعة التي أدت بي لتعاسة لم أخرج من دوامتها بعد، فالموافقة تعني وضع مصيري ومستقبلي في حكم المجهول، والرفض يعني إبقاء الحال على وضعه في انتظار ما سيجود به خالقي، وكان هذا الموقف الأخير عنوانا مناسبا لجوابي عليه في اليوم الموالي، وكأنه كان يعرف بموقفي مسبقا، فقد عرض علي في الحين عرضا يقتضي بزواجنا زواج المتعة أو  المسيار وكلاهما زواج صحيح، وقد تأكدت من ذلك بعد أن أطلعني بواسطة الانترنيت مواضيع مختصة تتعلق بذلك، فزواج المتعة أو الزواج المؤقت الذي اخترته هو عبارة عن تزويج المرأة الحرة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع، بمهر مسمًى إلى أجل مسمًى بالرضا والاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق، كان الأمر مضحكا بالنسبة لي وخاصة اختيار مدة الزواج المؤقت في ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، رغم أن الطرف الآخر كان يريد تمديده لسنة كاملة، وقد وافق على ذلك في الأخير حينما ذكرته في تحديد موعد طلاقه في عدة أيام فقط، كنت أقارن وضعي وكأنني عقار يقع استئجاره بسعر محدد لمدة معينة، لكنني رحبت بذلك ما دام خاليا من عيب شرعي وما دمت سآخذ مهري قبل البناء وهو ما أكدت عليه مسبقا ووقع الاتفاق عليه.

اقتصرت سهرة ليلة دخلتي عن أصدقائه الذين لم تكن لي بهم معرفة مسبقة، ولم أكن أطمع في حضور أحد من أهلي أو أصدقائي نظرا لبعد المسافة وضيق الوقت، ومع ذلك كنت مرتاحة على غير عادتي وقنوعة بقدري.




مكثنا في الفندق أياما قليلة لننتقل إلى شقة مفروشة استأجرها، كانت أيام شهر العسل سعيدة بالنسبة لي لم أكن أحلم بها، جلت خلالها بصحبته معالم مدينة النخيل وما جاورها من مدن سياحية.

قبل انتهاء شهر العسل بيومين سافر زوجي إثر توصله ببرقية عاجلة من مقر شركته تفيد ضرورة حضوره لبلده عاجلا، كان يهاتفني يوميا للاطمئنان على أحوالي إلى أن عبر لي عن اشتياقه لرؤيتي ووجوب الالتحاق به فورا بعد تجهيز أوراق السفر وإجراء التحاليل الطبية للحصول على تأشيرة الدخول، كانت دعوته لي بمثابة هدية لي طالما حلمت بتحقيقها، فالسفر خارج الوطن يعتبر بالنسبة لي هدية من السماء.

لم تكن المرة الأولى التي استقلتُ فيها الطائرة لكن طائرتي هذه المرة كانت ضخمة نفاثة، ووجهتها تعتبر حلما من أحلام اليقظة التي طالما حلم بها الإنسان ولم تتحقق إلا لما نزر، أما الذي سيستقبلني فليس إنسانا عاديا بل مالكٌ لِمَا مَلك قارون، فهل هناك يا ترى فتاة في مثل حالتي لن تعتبر هذه من سابع المستحيلات؟

رحلة في اتجاه الفردوس

أنا الآن داخل الطائرة وبجانبي سيدة في العقد الخامس من عمرها، عرفت من خلال حديثي معها أنها مقيمة بالخليج منذ مدة طويلة، لذلك استأنست بها تماما كما استئناسي بطالبات الحي الجامعي وأنا أخرج لأول مرة من قريتي قاصدة الحرم الجامعي كما ذكرت ذلك في تقديمي لذكرياتي هاته، والفرق البسيط بين الاستئناسين يتعلق بعبوري حدود بلدي لأول مرة، سألتني عن أحوالي ووجهتي وسبب سفري، كنت أحكي لها قصتي وألاحظ توقيفها لحديثي بين جملة وأخرى لكي تسألني عن جزئيات دقيقة تتعلق بالخصوص بحيثيات التقائي بزوجي ومدة ارتباطي به وعمله، ولمًا سألتها عن سبب أسئلتها الكثيرة وتركيزها على هوية زوجي حكت لي عن حالة صديقة لها غرّر بها مواطن خليجي لاستغلالها في أوكار الدعارة.

 كان حديثها  بمثابة تحذير تتخلله آهات حسرة تنم على أنها تحكي سيرتها الذاتية، كنت تائهة وسط جملها ونصائحها المتعددة وأنا أستعيد ذاكرة ما روته لي الوسيطة عما جرى لها، فهل فعلا أنا متوجهة لممارسة البغاء والعودة مثلها بشهادة عليا في فن الوساطة للمتاجرة بلحم فتيات عشيرتي؟ هُنا بدأت تساورني شكوك لوقائع لم أنتبه إليها سابقا، لو كان بصدد بناء فندق كما ادعى على الأثير فلماذا لم يدعوني لزيارة موقع التشييد ولم يتحدث عنه أبداً منذ تلك اللحظة؟ وما هو السٍّر في محاولته تمديد مدة الزواج المؤقت إلى سنة بدل الثلاثة أشهر التي اقترحتها؟ كانت هناك هواجس عدة تساورني وأنا أستمع لنصائح رفيقتي، كانت تحثني على عدم التصريح   بما يخالجني من شكوك وإظهار الرضي والقبول في أي مقترح محتمل من زوجي، ووجوب توفري على مبلغ مالي يمكنني من شراء تذكرة العودة في حالة استشعاري لبوادر خطر العبودية التي لن أقف عندها طويلا ما دام الكل يعرفها من خلال مقالات عديدة على مواقع الإنترنيت.

كان موعد انتهاء مدة (تأجيري) تقتربْ، وأعني بها انتهاء مدة زواج المتعة الذي يربطني به دون ظهور أي مستجد يتعلق بزواج رسمي موثق، تسويفاتهُ كلها تقترن بطلاقه المرتقب، ورغم تخوفاتي وتوتري فأنني كنت رابطة الجأش لا أُظهر أبدا ما أكنه في قلبي من شكوك، تلك الشكوك التي انقشعت فجأة بواسطة زوجين يعملان في نفس الفندق الذي كنا نقيم فيه.

كانتِ الزوجة من أصل مغاربي، استنجدت بها ومن زوجها المصري الجنسية، وخلال أيام تمكنًا من وضع ملف الحقيقة أمامي كاملا، ورغم بساطة ما توصلا إليه من مستجدات، فقد كانت كافية لمعرفة الحقيقة كاملة، خاصة حينما قارنتُها مع أقواله وردود أفعاله حينما كنت أسأله عن مستقبلنا الغامض.

لم يكن زوجي يمتلك شركة بالمعنى الصحيح بقدر ما كان يملك سهما في عصابة مافيا تهتم بتسيير علب ليلية خاصة بالدعارة، وهو متزوج بزوجتين وأب لأطفال وليس هناك أي دعوى طلاق.

تسلحت بجملة (إن كيدهن عظيم) وبمساعدة الزوجين المحسنين تمكنت من  استدراجه على مراحل للبوح بأسراره كاملة، عبرت له عن تذمري بالجلوس بمفردي في غرفة الفندق ومدى اشتياقي للعمل في أي مجال أراد، عبرت له عن تمسكي به ولو كعشيق إن اقتضى الحال ذلك، وعدم التفكير مستقبلا في الرجوع لبلدي، وسرعان ما أخبرني بامتلاكه علبة ليلية بسوريا مقترحا علي تسييرها، وببشاشة مصطنعة أكدت له استعدادي لذلك مقترحة عليه (استيراد) فتيات صديقات للعمل معي، ورغم ثقته الكبيرة بأقوالي واطمئنانه لنواياي المبشرة للخير حسب تعبيره في مناسبات عدة، فقد أقدم على سحب جواز سفري مني حينما ادعى أنه بحاجة إليه لإنشاء عقد عملي، تذكًرت نصيحة رفيقة السفر على متن الطائرة بضرورة توفري على مبلغ مالي يمكنني من العودة لبلادي، لذلك وبمساعدة الزوجين تمكنت من بيع قطعة ذهبية بالإضافة لمبلغ احتفظت به مما كان يمنحه لي من مال لتغطية مصاريفي اليومية.

ليلة الرجوع للصواب

 كانت ليلة أرق حينما فاجئني بموعد السفر القريب، ليلة يمكن وصفها بالبيضاء كما يمكن نعتها بالسوداء، كان هناك ضميران اثنان يتصارعان ويناقشان تقرير مصيرين مختلفين كلاهما يتعلق بمستقبل سوسن، لم أكن أعرف إن كنت أنا من تناقش ضمير سوسن أم ضمير سوسن من يناقشني، لقد مَررْتِ بعدة مراحل حزينة نتيجة مواقفكِ المتسرعة، وتعرًضتِ للنبذ والقطيعة من طرف أهلكِ وعشيرتكِ، وكل ذلك لأنك جاريتِ قلبكِ على حساب عقلكِ، فأحببت حبا أعمى أوصلكِ لما أنتِ عليه الآن، فلماذا لا تنتقمين من هذا الماضي وتجعلين بلاد الخليج بلدا لاستقرارك وأهله عشيرة لكِ، كنتِ تلهثين وراء فرصة عمل بسيطة لا يصل أقصى راتب فيها لما يكفي حاجياتك اليومية الضرورية ولا تجدين جوابا إلا بمقاضاته بجسدكِ، فهاهي الفرصة  المواتية تأتي بين يديكِ لتضعكِ بين قائمة سيدات المجتمع وأرقاهن على سُلم البذخ والثراء، إنها فرصة عمل كسائر الأعمال، فماذا يعني أن تكوني  مسيرة لناد ليلي يدرٌّ عليك أموالا طائلة وما العيب في ذلك، لقد ارتكبتِ معاصي أبشع من هذه حينما وهبتِ نفسكِ وشرفكِ لمن خان حبكِ وهجركِ، لقد زنيتِ وخنتِ زوجكِ مقابل انفصالكِ عنه، لقد رضيتِ بالعيش مع وسيطة دعارة كنتِ طرفاً فيها مقابل حفنة من المال تُعدٌّ قِطع صرف نقدية مع ما ستجنيه مقابل عملك الجديد،لا لا لا، لا يا سوسن، لا تفعلي ذلك، أنتِ أحببتِ حبًا شريفا طاهرا نقيا، وخطأك لا يرقى لدرجة المعصية، وولي أمر حبيبكِ هو العاصي الحقيقي، وخيانتك لزوجكِ لم تكن سوى بتزكية منه ومن أجل عتق رقبتكِ من معاصي أكثر فسقاً وفجوراً كنتِ سترتكبينها لو بقيتِ على ذمته، وحتى إن كانت هناك أخطاء فهي من شيم البشر، وخير الخطاءين التوابون، تذكري موقفك من تلك العائلة التي كانت تبيع أجساد بناتها من أجل المال الحرام، تذكري مقتكِ لأفعال الوسيطة ومآلها هي التي ساحت وجالت في دنيا الرذيلة، أنتِ مازلت صغيرة السن ولكِ قسطكِ من الحسن والجمال وكثير من يتمناك زوجة في الحلال بعيدا عن الحرام المحرم من الخالق وعباده، فعودي لرشدكِ قبل فوات الأوان مادام هناك فرصة للفرار من هذا الجحيم الذي ينتظرك. تراكمت الأفكار على شكل سؤال وجواب لأقرر في النهاية الفرار بجلدي قبل فوات الأوان.

خطة الفرار من الجحيم

في البداية، كانت خطتي تقتضي اللجوء لشرطة المطار فور توصلي بجواز سفري، لكنني استبعدتها نظرا لعدم وجود دليل لاتهامه بمحاولته استغلالي في الدعارة، لذلك وكًلت أمري لله في انتظار أي فرصة سانحة قبل استيلائه على كل مستنداتي.

كان في استقبالنا في مطار دمشق رجل وامرأة، الأول من الفلبين يجلس أمام مقود سيارة مرسيديس سوداء اللون، والثانية لبنانية الأصل تجلس بجانبه وذات جمال يلفت انتباه النساء قبل الرجال، وفور تحرك السيارة في اتجاه المجهول همست في أذن زوجي بما يفيد أنني متشوقة لزيارة العلبة الليلة، تعمدت ذلك وأنا اعرف أن  النوادي الليلية تفتح أبوابها ليلا لكي أفهمه أنني شغوفة ومتمسكة بامتهاني لمهنتي الجديدة، توقفت السيارة أمام فيلا فاخرة عرفت أنها وكر للدعارة حينما لمحت أربع فتيات في غرفة مررنا بجانبها اتجاه غرفة فسيحة خُصصت كغرفة نومي، وبعد فترة استراحة قصيرة استأذنني زوجي بالانصراف لزيارة صديق مع إمكانية المبيت عنده والعودة في مساء اليوم الموالي، كان أمامي يوم كامل لتنفيذ خطة الهروب، في  صباح اليوم التالي خرجت رفقة الفتاة اللبنانية لتفقد معالم المدينة لأستغل التقاءها بأحد أصدقائها أو زبنائها على متن سيارة والذي دعانا لوجبة غذاء، اعتذرت بلباقة شديدة مدعية عدم استئذاني من زوجي وإصابتي بصداع رأسي طالبة منهم إيصالي إلى باب الفيلا للاستراحة، كانت فتيات الليل الساهرات في حالة سبات عميق حينما حملت حقيبتي متسللة خارج البناية، وفور التحاقي بالمطار بواسطة سيارة أجرة حولت مبلغا ماليا بالعملة المحلية بعد تأكدي من وجود طائرة متجهة لمطار أمستردام بدولة هولندا وتغيير الطائرة بأخرى متجهة لبلدي المغرب.

كان الوقت ليلا حينما قرعت جرس باب منزل الطبيبة النفسانية التي كانت تتابع حالتي الصحية، رحبت بي كثيرا قبل أن تسألني فجأة عن سر طول غيابي لتنهار معنوياتي وأنا أحضنها باكية ناحبة، وبعد الاستراحة وتناول وجبة العشاء حكيت لها وبمعنويات منهارة عن كل شيء مررت به خلال غيابي عنها منذ شهور، وسبحان الله مبدل الأحوال، كنت قبل ساعات أواجه بعزيمة ورباطة جأش مخاطر عويصة فإذا بمعنوياتي تنهار بمجرد رؤيتي لأحد أبناء بلدي، كانت أوصالي ترتجف وأنا أستحضر تلك المواقف التي واجهتني والكيفية التي خرجت منها سالمة غانمة.

الخاتمة

إخواني أخواتي قرائي الأعزاء، لقد حان وقت قول كلمة كرهتُ قولها على مدى نحو عشرة شهور أمضيتها معكم على صفحات هذا الموقع الذي أكن لطاقمه كل التقدير والاحترام، ولا أدري إن كانت كلمة وداع أم مجرد لفظة إلى اللقاء، وأول شخص وجب شكره هو ذات الشخص الذي ورد ذكره في خاتمة قصتي هاته، إنها السيدة الفاضلة والطبيبة النفسانية المتمرسة التي ألحت علي كتابة ذكرياتي هاته، إنها وصفة مثالية أوصي بها كل شخص ابتلي بمصيبة ما من مصائب الدنيا المكنونة في صدور العديد ممن اكتووا بنيرانها.
 قبل عشر شهور من الآن كنت فاقدة اليأس منطوية على نفسي لا أكاد أنبس بجملة مفيدة، كانت الشمس تغيب ولا تشرق بالنسبة لي، الكل أسود قاتم أمامي، وبفضل الله عز وجل، وبالوصفة السحرية للسيدة الطبيبة الفاضلة، وبفضلكم قرائي الأعزاء، أشرقت الشمس أمامي من جديد وأصبحت أرى الأشياء أمامي حسب ألوانها الطبيعية بدون انحياز للألوان السوداء القاتمة، بفضل مواساتكم لي ونصائحكم النصوحة الهادفة أصبح لي أمل في الحياة،  وطدت علاقات صداقة مع العديد من قرائي الأعزاء ذكورا وإناثا كانت أولهن صديقتي وأختي (ياسمينة) التي مازلنا نلتقي يوميا على النيت منذ شهور خلت، والتي تطوعت لمساعدتي للرد على استفسارات زواري، لكن بالمقابل كان هناك من يريد تحطيم معنوياتي بكلامهم البذيء وتعليقاتهم السخيفة، ولهؤلاء أهمس في آذانهم بأنه يكفيني أنني أوصلت رسالتي إلى بنات جيلي، ويكفيني أنني تسببت في تحرير الكثيرات منهن كن على وشك الانحدار للهاوية.

إخواني أخواتي قرائي الأعزاء، أعتذر لكل من سمع مني كلمة جفاء، وخاصة حينما كنت أمر بأزمة عصبية خانقة تجعلني عصبية المزاج، فشكرا لكم قرائي الأعزاء، وشكر خاص للأستاذ الجليل (السي حميدو) الذي ساعدني كثيرا بتوجيهاته الهادفة في الميدان الأدبي، وتصحيح بعض أخطاء حلقاتي، وشكرا جزيلا لطاقم موقع (شعب بريس) الذي أتمنى له دوام التقدم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.









Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...